أرشيفية للرئيس وشيخ الأزهر
ونحن على أعتاب وداع عام 2024 الذي كان مزدحماً بالأحداث الساخنة على المستوى السياسي عربياً ودولياً، ووسط الحديث عن تغييرات قادمة دون الكشف عن نوعيتها- في الوقت الذي أفادت فيه مصادر بأن شهر يناير من 2025 قد يشهد مصالحة أو شيئاً من هذا القبيل- كان علينا إعادة واحد من أبرز المشاهد السياسة التي حدثت مؤخراً إلى الواجهة لفحصه وتمحيصه وما يمكن أن يحدث في هذا الملف في 2025.
وتدور التكهنات حول سؤال "المصالحة مع الإخوان"، والتي ظهرت على الساحة السياسية والإعلامية عقب صدور قرار من محكمة الجنايات برفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب والكيانات الإرهابية، بينهم قيادات إخوانية في الخارج.
وقبل شهر تقريباً صدر القرار باستبعاد 716 شخصًا من القوائم كان أبرزهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان المصنفة إرهابية، القيادي الإخواني الدولي يوسف ندا- الذي وافته المنية قبل أيام- والداعية وجدي غنيم، والوزير الأسبق يحيى حامد، والإعلامي هيثم أبوخليل، والقيادي أمير بسام، وبهاء الدين سعد الشاطر، وجهاد عصام الحداد، والصحفي إبراهيم الدراوي، والخبير الاقتصادي ورجل الأعمال عمر الشنيطي وشقيقه مصطفى الشنيطي، ورجل الأعمال وليد خميس عصفور.
وقالت مصادر إن هذه الأسماء تمثل الدفعة الأولى، وشملت القيادي الراحل يوسف القرضاوي، ونجل الرئيس المعزول عبدالله، بالإضافة إلى رجال أعمال وصحفيين كانوا ضمن قضية التخابر مع الرئيس المعزول محمد مرسي.
وأشارت المصادر إلى أن إعادة النظر في أوضاع المدرجين تأتي تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بمراجعة الحالات وفتح صفحة جديدة مع أبناء الوطن الذين توقفوا عن ممارسة أي نشاط إرهابي.
شيخ الأزهر يرحب بـ"لم الشمل"
وإذا طرحنا فكرة المصالحة مع الإخوان، فإن موقف شيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، يبدو مُرحباً بأي مبادرة من شأنها "لم الشمل"، وهو ما ظهر في موقفه من توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بمراجعة مواقف المدرجين على قوائم الإرهاب.
وعلق شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر أحمد الطيب، على توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخصوص رفع أسماء مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب، مبدياً في بيان عبر صفحة "الأزهر الشريف" على موقع "فيسبوك"، "ترحيبه العميق بتوجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، التي مهدت الطريق لاستبعاد مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب، وإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمّ شمل أسرهم".
وأكد "الطيب" أن هذه التوجيهات "تمثل خطوة جيدة، ويجب على الجميع استثمارها، والبناء عليها، لما فيه مصلحة وطننا الحبيب"، داعيا الله أن "يحفظ مصرنا، وأن يقيها كل مكروه وسوء".
عمار علي حسن
على المستوى السياسي، فإن الدكتور عمار علي حسن، أستاذ العلوم السياسية، قال إنه في ظل عدم وجود معلومات واضحة لا يمكن الحديث إلا عن تكهنات واحتمالات، فالاحتمال الأول أن تكون هناك مفاوضات سرية بين شق من تنظيم الإخوان والسلطة نضجت وأدت إلى هذا القرار.
وتابع أن الاحتمال الثاني أن تكون السلطات استجابة لنصائح دولية بضرورة تلطيف الأجواء بشأن الأوضاع السياسية وحقوق الإنسان، وقد حدث ذلك من آن لآخر مثل فتح حوار وطني أو لقاءات رئيس الوزراء بالكتاب والمفكرين أو الإفراج كل فترة عن سجناء سياسيين.
وعن الاحتمال الثالث قال عمار على حسن- وفق سي إن إن- إن السلطة نفسها قد تكون ارتأت أنه من المهم إعطاء قدر من الحيوية للحياة السياسية في ظل التراجع الاقتصادي الكبير الحادث بالبلاد.
ترامب قد يفعلها لرد الجميل
وأشار إلى أن هناك احتمال رابع لا يمكن تجاهله بأن يكون ذلك تم بناء على نصيحة من إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والتي على وشك أن تتولى السلطة، وذلك كثمن لدور الإخوان في حشد المسلمين والعرب خلف ترامب بالانتخابات والتي رجحت كفته في ولايات حاسمة.
وختم بالقول إنها قد تكون خطوة حقيقية نحو شيء إيجابي وقد تكون لمجرد تمرير أزمة أو موقف، والأمر يتوقف على مدى تفاعل السلطة مع الأمر وما إذا كان سيتخذ خطوات أخرى أم لا، وكذلك يتوقف على تفاعل الإخوان أنفسهم، فإن اتخذوا القرار بإيجابية فقد يؤدي ذلك لقرارات أفضل، أما إذا تعاملوا باستخفاف على أنه مجرد قرار التفافي فلن يقود لشيء، فضلا عن أن وجود قضايا أخرى للكثير ممن شملهم القرار قد تفرغه من مضمونه.
ضياء رشوان يستبعد المصالحة
من جانبه استبعد الكاتب ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، فكرة المصالحة مع الإخوان، وقال إن قرار حذف بعض الإخوان من قوائم الإرهاب ليس سياسيًا أو صادرًا عن الرئيس أو رئيس الحكومة أو أي مسؤول في السلطة التنفيذية كي يتحدث البعض عن مصالحة بين السلطة وجماعة الإخوان، بل هو قرار قضائي.
وبنبرة ساخرة تساءل ضياء: "أي جماعة تلك التي سيعترف أو يتصالح معها النظام؟ إذا كانت الجماعة نفسها لا تعترف بنفسها وتقسمت إلى عدة جماعات وكيانات".
وشدد رشوان على أن هذا القرار يخص قضية قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابين أي أن استبعاد أي شخص من تلك القوائم يعني أنه بات غير محروم من حقوقه المتعلقة بحياته كشخص مصري كامل الأهلية للتعامل المالي والتعامل مع الجهات والمؤسسات وغيرها من الحقوق، ولكن هذا لا يعني إسقاط أية قضية جنائية أخرى أو جريمة يحاكم ذات الشخص عليها أمام القضاء إن وجدت.
قيادي أمني: لا مصالحة مع الإخوان
وفي نفس السياق، قال اللواء الدكتور محسن الفحام، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، إن ما تردد عن إمكانية إجراء السلطات مصالحة مع الإخوان عار تماما من الصحة، مؤكدا أن أسماء قادتهم وعناصرهم مازالت بقوائم الإرهاب رغم الجدل الذي أثير مؤخرا حول هذا الأمر.
وكشف المسؤول الأمني أن ما حدث يرجع كذلك إلى أن قانون الكيانات الإرهابية لا يعتبر قانوناً يستوجب السجن بل هو قانون تم وضعه لإعطاء الصلاحيات الكاملة للأجهزة المعنية للسيطرة على موارد التمويل لحين الفصل في القضايا المنظورة، مؤكدا أن القيادة السياسية أعلنت مراراً وتكراراً أنه لا تصالح ولا عفو مع من رفع السلاح وأراق الدماء ودمر وأتلف ممتلكات الشعب المصري سواء من جماعة الإخوان أو غيرها.
ماهر فرغلي
الباحث في جماعات الإسلام السياسي ماهر فرغلي أدلى بدلوه في هذه القضية، مشيرًا إلى أن حديث المصالحة بين الدولة المصرية والإخوان يخترق دائماً أجواء الصمت، بفعل فاعل أحياناً من خارج الجماعة، وبفعل من داخلها أحياناً أخرى، وكأن هناك من يقصد إثارة هذا الأمر، وبكل تأكيد هو يهدف للبحث عن مخرج قبل أن تفقد الجماعة الفرصة الأخيرة لها فى الحياة.
وأضاف: يرى البعض أن معنى المصالحة المقصود هو المراجعة لكل الأخطاء والاعتراف بكل وضوح بذلك، وهنا تبقى الدولة هى المحتضنة فيما بعد للمخطئين، وآخرون يرون أن المصالحة هى حل التنظيم جملة وتفصيلاً.
وتابع: لكن المصالحة كما بدت فى بيان حلمى الجزار هى القبول بالجماعة والإفراج عن مسجونيها!، وهو ما يثبت أن الإخوان تعانى أزمة مزدوجة غير مسبوقة ذاتية وموضوعية، على الصعيدين الداخلى المتعلق بإدارة التكيّف الأيديولوجى والتنظيمى، والخارجى المتعلق بتدبير العلاقة مع الدولة، التى انتصرت، أما الجماعة فهى من عانت الضعف والتراجع والانقسام، وأصبحت رهينة أزمتها الذاتية الأيديولوجية والتنظيمية.
عمرو الشوبكي
الدكتور عمرو الشوبكي مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال إن حديث المصالحة مع الإخوان يتصاعد بين حين وآخر بمبادرة تأتي من داخل السجون أو من خارجها، أو من الاثنين معاً.
وتابع "الشوبكي"، : الحقيقة أن معضلة النقاش حول المصالحة مع الإخوان أنه يخلط بين مصالحة مقبولة مع أفراد راجعوا فكرهم، أو رفع مظالم عن أفراد أيضاً لم يرتكبوا عنفاً ولم يحرِّضوا عليه، وبين الموقف من صيغة الجماعة نفسها، والتي تظل إشكاليتها مختلفة تماماً عن مسألة التصالح مع الأفراد.